الوضع الوبائي يدفع "عبيدات الرمى" إلى السجن والتجارة والهجرة غير النظامية
تُعرف مدينة خريبكة والمناطق المجاورة لها، على المستوى الاقتصادي، بتوفر باطن أرضها على مخزون هائل من مادة الفوسفاط، ما أكسبها صيتا واسعا وطنيا ودوليا، في وقت خلقت المنطقة لنفسها إشعاعا آخر على المستوى الفني، من خلال اهتمام عدد مهم من فنانيها ومحافظتهم على الفن التراثي لـ”عبيدات الرمى”.
وإذا كان النشطاء والمهتمون والمشتغلون في فن “عبيدات الرمى” حرصوا، في السنوات الماضية، على الإبداع في الألوان الغنائية المرتبطة بهذا الفن الشعبي، وعملوا على تطوير الوسائل والمعدات والأدوات الموسيقية، وتوسيع دائرة اشتغالهم لتشمل عددا من الدول الأجنبية، فقد عرف هذا المجال اضطرابا كبيرا منذ ظهور جائحة كورونا بالمغرب.
ففي وقت كان عدد من مزاولي فن “عبيدات الرمى” يجنون أموالا ويحققون مداخيل مهمة، خاصة في فصل الصيف حيث تكثر الأعراس، وجد أغلبهم أنفسهم في وضعية مالية متأزمة بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضتها السلطات الحكومية لوقف انتشار كوفيد 19، خاصة ما يتعلق بمنع تنظيم الأعراس والحفلات في فترات متفرقة وطويلة.
معاناة في صمت
الشرقي لكوطي، “مْقَدّم” فرقة الصيادة عبيدات الرمى خريبكة، أورد أنه “إذا كانت كل القطاعات والمجالات والمشاريع الكبرى تضررت بسبب الجائحة فإن المعاناة كانت أكبر وأشد لدى الفنان، الذي يعتبر مياوما ويعتمد في كسب رزقه على المناسبات والاحتفالات”، مضيفا أن “الضرر بدأ ماديّا بالدرجة الأولى، ثم تلاه الضرر المعنوي بسبب غياب الدعم والمساعدة من المسؤولين الذين تنكروا للفنان، وتركوه يسبح في بحر الديون والعجز التام عن سد حاجياته ومتطلبات أسرته من كراء وتطبيب…”، وفق تعبيره.
وقال المتحدث ذاته في تصريح : “أعرف العديد من الفنانين الذين باعوا آلاتهم الموسيقية وأغراضهم وهواتفهم بسبب الأزمة، لأن أغلبهم لا يتقنون أي صنعة أو حرفة أخرى غير الفن، في غياب تام لأي دعم أو مساعدة من الجهات المعنية التي تركب على الأمواج في الملتقيات والأحداث الفنية وتقول إنها ترعى الفن والفنانين، وتسعى جاهدة إلى الحفاظ على الرأسمال اللامادي وتشجع الطاقات والباحثين في التراث”، متسائلا: “كيف تتم رعاية الفن إذا لم يتم دعم الفنان في هذه المرحلة الصعبة؟”.
وأكد رئيس فرقة الصيادة عبيدات الرمى بخريبكة على ضرورة “صرف الدعم المخصص لتنظيم التظاهرات الفنية والثقافية والمهرجانات لفائدة هذه الشريحة التي لا تملك أي دخل، ولا تشتغل، بل لا تعرف مزاولة نشاط آخر بعيد عن الفن”، مردفا في هذا السياق: “أنا مجاز، وقوت يومي وشغلي الوحيد هو فن عبيدات الرمى، ونظرا لتوقف الأنشطة بسبب كوفيد 19 أصبحت أعاني في صمت كباقي زملائي وزميلاتي في هذا المجال”.
إقصاء وسجن وهجرة سرية
من جانبه، أكد يوسف الصغير، رئيس مجموعة نشاط الرمى الصيادة، أن “الجائحة أضرت بشكل كبير بهذا المجال الفني، بعدما تم قطع الأرزاق وتضييق العيش والمس بكرامة الفنان”، مشيرا إلى أن “الأزمة دفعت بعض الفنانين من ممارسي فن عبيدات الرمى إلى الهجرة السرية نحو أوربا للبحث عن غد أفضل، بعدما عجزوا عن إيجاد بديل للفن يكسبون به قوت يومهم، فيما وجد عضو آخر نفسه في السجن، حيث يقضي عقوبة حبسية بسبب عجزه عن أداء النفقة بسبب توقفه عن العمل”.
وأضاف “مْقَدّم” المجموعة أن “الفرقة أعطت الشيء الكثير لفن عبيدات الرمى، بالكتابة واللحن والنبش في تاريخ هذا الفن، وشاركت في عدة مهرجانات وطنية ودولية، ومثلت إقليم خريبكة وجهة بني ملال خنيفرة في تظاهرات خارج المغرب، كالشيلي والجزائر وتركيا، لكنها تضررت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، لأن أعضاءها ليست لهم أي مهن أخرى يمكن مزاولتها بعيدا عن فن عبيدات الرمى”.
وشدد يوسف الصغير، الملقّب بـ”مايسترو”، في تصريح ، على أن “بعض مجموعات عبيدات الرمى اشتغلت في مناسبات أسرية صغيرة داخل المنازل، لكن أغلب الفرق التي راكمت إنجازات كبيرة في هذا المجال توقفت أنشطتها بشكل نهائي”، مشيرا إلى أن هذا الوضع دفعه إلى صرف حوالي 8000 درهم لإنجاز مشروع فني متكامل، وبعدما قدمه إلى الوزارة المعنية تفاجأ بـ”إقصائه” من الاستفادة من الدعم الاستثنائي.
من الفن إلى “الرّايب” والعصائر
أما أحمد جبناوي، رئيس فرقة وليدات الصيادة بخريبكة، فأكد أن “الجائحة تسببت في معاناة العاملين في فن عبيدات الرمى”، مشيرا إلى أن “فرقته مثلا تضم 8 أشخاص متزوّجين ويقطنون في منازل للكراء، إضافة إلى المنزل الذي تكتريه الفرقة من أجل اجتماع أعضائها بهدف النقاش وإجراء التداريب، ما يتطلب مصاريف غير مقدور عليها بسبب الأزمة التي فرضتها جائحة كورونا، مع أن كل القطاعات تشتغل إلا القطاع الذي يهم عبيدات الرمى”.
وقال المتحدث ذاته في تصريح : “حين توقفت الأنشطة الفنية انتظرنا مدة طويلة لعل الأوضاع تتحسن، قبل أن أجد نفسي مضطرا لبيع ‘الرّايب’ والعصائر في رمضان، ومزاولة بعض الأنشطة التجارية البسيطة لتوفير لقمة العيش”، مضيفا: “تم الحصول على الدعم الذي جاء في إطار المبادرة الملكية، لكن الدعم الذي كان من المفروض الحصول عليه بناء على مشروع فني لم نستفد منه، رغم وضعنا ملفات في المندوبية والعمالة”.
وعن الانتظارات من المسؤولين عن القطاع، قال “مْقَدّم” الفرقة: “في الوقت الحالي لا نريد سوى السماح لنا بالاشتغال وكسب أرزاقنا التي ضمنها لنا ربّنا، خاصة حين نرى أن جميع القطاعات تشتغل بشكل أو بآخر، في حين فَرضت الإجراءات الاحترازية علينا نحن الفنانين التوقف عن العمل، لكي نبقى عرضة للضياع والبطالة والتشرد”، خاتما تصريحه بالقول: “بْغينا غير نخدمو، أمّا الدعم يْخَلّيوه عندهم”.
تعليقات: (0) (يمكنك التعليق برابط صورة او فيديو) إضافة تعليق